في مشهد تاريخي مهيب، تحولت ساحة المدرج الروماني العتيق في مدينة بصرى الشام بمحافظة درعا،ألأحد، إلى مضافة شعبية عملاقة، احتضنت آلاف السوريين القادمين من مختلف المحافظات للمشاركة في حدث استثنائي: تحضير أكبر "منسف مليحي" في تاريخ المنطقة، احتفاء بالذكرى السنوية الأولى لـ "عيد التحرير" وسقوط نظام بشار الأسد.
يأتي هذا الاحتفال في "مهد الثورة السورية" ليحمل رمزية عميقة، معيدا الحياة لتقاليد الكرم الحوراني الأصيل بعد سنوات عجاف من الحصار والحرب، ومؤكدا على طي صفحة الاستبداد وبدء عهد جديد من الوحدة الوطنية.
أرقام قياسية وكرم حوراني سجلت الفعالية أرقاما قياسية تعكس حجم الحدث وضخامته، حيث تم تحضير هذا الطبق التقليدي الشهير في حوران باستخدام كميات هائلة من المكونات:
500 كيلوغرام من اللحم الطازج.
طنان من البرغل الناعم، المكون الأساسي للمليحي.
مئات اللترات من الجميد السائل والسمن البلدي.
وتم تقديم الوليمة على صوان عملاقة امتدت في الساحة الأثرية، لتكفي ما يزيد عن 10 آلاف شخص، في تظاهرة اجتماعية أعادت للأذهان صورة سوريا المتكافلة قبل سنوات الحرب.
طقوس التحضير.. سيمفونية من التراث لم يكن إعداد هذه الوليمة مجرد عملية طهي، بل كان طقسا احتفاليا بدأ قبل أيام. شارك في التحضير عشرات الطهاة المحليين والمتطوعين من أبناء بصرى الشام ودرعا، تحت إشراف "شيوخ الطبخ الحوراني" لضمان الحفاظ على النكهة التراثية الفريدة التي تميز المليحي عن غيره من المناسف.
وتميزت الأجواء برائحة الجميد والسمن العربي التي عبقت في أرجاء المدينة الأثرية، مختلطة بأصوات الأهازيج الشعبية والأغاني الثورية التي رددتها الجماهير احتفاء بالنصر والحرية.
"المليحي".. هوية وتميز يعد "المنسف المليحي" أيقونة المطبخ في الجنوب السوري، حيث يعتمد في تكوينه على البرغل الناعم بدلا من الأرز (كما في المنسف الأردني أو الفلسطيني)، ويطهى مع اللحم والجميد السائل، ثم يسقى بالسمن البلدي ويزين بالتوابل التقليدية، ليخرج بطبقة كريمية بيضاء شهية تعبر عن أصالة المنطقة.
رمزية التوقيت والمكان اختيار بصرى الشام لهذا الحدث لم يأت من فراغ؛ فهي تمثل "قلب حوران"، المنطقة التي انطلقت منها الشرارة الأولى للثورة السورية في مارس 2011.
وجاء الاحتفال اليوم في الذكرى الأولى لسقوط النظام في 8 ديسمبر 2024، عقب عملية "ردع العدوان" التي قادتها فصائل المعارضة، لتنهي عقودا من القمع الدموي الذي استهدف درعا بشكل خاص.
وأكد محافظ درعا في كلمته خلال الاحتفال أن مثل هذه الفعاليات "تعزز الوحدة الوطنية وتساهم في إعادة إعمار المجتمع بعد التحرير"، مشيدا بجهود الأهالي في تنظيم هذا العرس الوطني.
"لنكمل الحكاية" تحت شعار "لنكمل الحكاية"، تحلق السوريون من مختلف الطوائف والمناطق حول "المناسف العملاقة"، في رسالة واضحة ترفض الانقسامات وتؤكد على المصير المشترك.
يذكر أن "عيد التحرير" قد أقر رسميا كعطلة وطنية بموجب مرسوم رئاسي من الرئيس أحمد الشرع، ليحل محل المناسبات التي كانت تمجد النظام السابق، معلنا بداية عصر جديد من الحرية والازدهار.
وقد لاقت صور "أكبر منسف مليحي" تفاعلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبرها السوريون "ردا شعبيا على سنوات الجوع والحرمان"، وإعلانا لعودة روح الحياة الطبيعية إلى سوريا الجديدة.

0 تعليق