يشير مصطلح "عصابة الثمانية" إلى مجموعة من 8 أعضاء منتخبين في الكونغرس الأميركي، يشكلون أداة رقابية مهمة لمتابعة الأنشطة الاستخباراتية الأميركية الحسّاسة وضمان التزامها بالقانون والدستور. ومع تصاعد التهديدات الأمنية وتطورها، ازداد دور المجموعة أهمية، فقد شاركت في مناقشات حول استخدام الطائرات المسيّرة، وجمع المعلومات عن المواطنين الأميركيين، والتعامل مع البيانات المصنّفة سرية.
النشأة والتأسيس
تعود جذور هذه المجموعة إلى سبعينيات القرن الـ20، في أعقاب مخاوف واسعة من إساءة استخدام وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) وغيرها من الوكالات صلاحياتها. وكان الهدف إنشاء مجموعة صغيرة تضم أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري تستطيع تلقي ومراجعة المعلومات الاستخباراتية الحساسة وعمل آلية رقابية على مجتمع الاستخبارات.
قبل عام 1947 كان للرئيس سلطة واسعة في إصدار أوامر تشغيل برامج الاستخبارات، داخل الولايات المتحدة وخارجها. ولضمان عدم إساءة استخدام هذه السلطة وحماية حقوق الخصوصية، أصدر الكونغرس قانون الأمن القومي لعام 1947، الذي نص على وجوب إطلاع لجان الاستخبارات في الكونغرس على جميع عمليات التجسس والاستخبارات.
ومع ذلك، يسمح القانون في الظروف القصوى للرئيس بالاكتفاء بإبلاغ 8 أعضاء محددين فقط، عندما تكون المعلومات ذات حساسية بالغة. وفي هذه الحالات، يتم إحاطة "عصابة الثمانية" فقط، الذين يُمنع عليهم مشاركة هذه المعلومات مع أي شخص آخر.
ويستند دور "العصابة" رسميا أيضا إلى قانون الرقابة على الاستخبارات لعام 1980، الذي يُلزِم وكالة الاستخبارات المركزية بإطلاع الكونغرس "إطلاعا كاملا ومباشرا" على أنشطتها، بما في ذلك أي نشاط استخباراتي متوقع أو مهم.
وتأتي هذه الصلاحيات ضمن جهود طويلة لضمان التوازن بين الأمن القومي وحقوق المواطنين، ومراقبة عمل أجهزة الاستخبارات ضمن الحدود القانونية.
تألّفت المجموعة في الغالب من 4 أعضاء جمهوريين و4 ديمقراطيين، وقد أظهرت قدرة على التوافق بسرعة على قضايا حساسة وخلافية لم يتمكن المشرعون من التعامل معها عقودا، كما حدث بعد انتخابات 2012.
الأعضاء
قد تتغير أسماء الأعضاء ضمن "عصابة الثمانية" مع كل دورة انتخابية، إلا أن الهيكلية والمناصب الثمانية نفسها تظل ثابتة. وتضم المجموعة دائما الأفراد الذين يشغلون مناصب قيادية في كلا الحزبين وفي كلا المجلسين التشريعيين، مما يضمن التمثيل الثنائي للحزبين الرئيسيين.
إعلان
ويتكون التشكيل الرسمي لـ"عصابة الثمانية" من:
رئيس مجلس النواب. زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي. زعيم الأقلية في مجلس النواب. زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ. رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأميركي. رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ. العضو القيادي عن حزب الأقلية في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب. العضو القيادي عن حزب الأقلية في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ.
المهام
لـ"عصابة الثمانية" دور محوري في الإشراف على أنشطة أجهزة الاستخبارات الأميركية، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي وغيرها من الوكالات الأمنية.
ويحصل أعضاؤها على معلومات شديدة السرية فيما يُعرف بـ"إحاطة عصابة الثمانية"، ويُكلَّفون بضمان التزام هذه الأجهزة بالقانون والدستور، وأن تُدار عملياتها ضمن الحدود الرقابية والتشريعية المسموح بها.
تملك المجموعة صلاحية تلقي الإحاطات الاستخباراتية، وطلب معلومات إضافية، ورفع أي مخاوف بشأن الأنشطة الاستخباراتية إلى الرئيس أو السلطات المختصة، وتتشابه هذه الإحاطات مع تلك التي يتلقاها الرئيس في غرفة العمليات بالبيت الأبيض. كما تضطلع "العصابة" بدور في تفويض الميزانيات الاستخباراتية والموافقة عليها.
وبهذا تعمل مجموعة الثمانية حلقة وصل بين مؤسسات الاستخبارات وبقية مؤسسات الحكم، لضمان أن تمارس الأنشطة الاستخباراتية بما يتوافق مع القوانين والقيم الأميركية.
وعبر إعلام "عصابة الثمانية" بالعمليات الاستخباراتية، يمكن للرئيس تلبية متطلبات عمل الاستخبارات وإعداد التقارير بشكل قانوني، مع الاحتفاظ بقدر كبير من السلطة على جمع المعلومات والتجسس.
ويتيح تقليص عدد المطلعين على العمليات السرية للرئيس إدارة أنشطة الاستخبارات بشكل أكثر فعالية وتقليل مخاطر التسرب أو التدخل، كما يُسهّل هذا النهج إجراء بعض العمليات بشكل أكثر كفاءة.
ومع ذلك لا يحدد قانون الأمن القومي بدقة ما المواقف التي تُعد استثنائية أو شديدة الحساسية بما يكفي لإطلاع "عصابة الثمانية" فقط على المعلومات السرية.
وقد أثار هذا الغموض جدلا واسعا حول إساءة استخدام السلطة والمخاوف المتعلقة بالخصوصية، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، حين كشفت التقارير الإعلامية عن استخدام التعذيب أثناء الاستجواب وأساليب أخرى، مما دفع كثيرين إلى التأكيد على ضرورة تعزيز الرقابة والإشراف على سلطة الرئيس، إذ إن إبلاغ "عصابة الثمانية" وحدها قد لا يكون كافيا لضمان الشفافية والمساءلة.
أبرز المحطات
أثار دور "عصابة الثمانية" جدلا واسعا مرات عدة، لكن أبرز محطات هذه الجدل كانت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، حين تبين أن وكالة الأمن القومي كانت تراقب المواطنين الأميركيين وتتجسس عليهم دون إذن قضائي تحت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش.
وقد اقتصر إبلاغ الكونغرس بالبرنامج على أعضاء عصابة الثمانية فقط، ومنعهم من مناقشته مع باقي أعضاء الكونغرس. وقد استخدمت إدارة بوش هذا الواقع لتبرير أن الإحاطات والملخصات المقدمة إلى العصابة كانت كافية لضمان إشراف الكونغرس على البرنامج والحفاظ على الضوابط والتوازنات بين السلطات التنفيذية والتشريعية.
وفي 18 يناير/كانون الثاني 2006 أصدرت دائرة أبحاث الكونغرس غير الحزبية تحليلا قانونيا خلص إلى أن اعتبار برنامج المراقبة تابعا لجمع المعلومات الاستخبارية، وإخطار الكونغرس به مقتصرا على عصابة الثمانية، لا يتوافق مع القانون، إذ ينص القانون على أن تظل لجان الاستخبارات في الكونغرس على اطلاع كامل وفوري بجميع الأنشطة الاستخباراتية، باستثناء تلك التي تتسم بسرية بالغة.
إعلان
علاوة على ذلك، أصبح دور "العصابة" يُنظر إليه في بعض الحالات وسيلة للتهرب من المساءلة. فقد أشار المدعي العام السابق ألبرتو غونزاليس مرارا إلى "عصابة الثمانية" أثناء استجوابه حول المراقبة غير القانونية والتجسس على المواطنين الأميركيين، في جلسة عقدت بتاريخ 24 يوليو/تموز 2007.
ويؤكد ميشال ريتشاردسون، مستشار المكتب التشريعي لاتحاد الحريات المدنية في واشنطن، على أهمية تذكّر الغرض من لجان الاستخبارات في الكونغرس، إذ يشير إلى أن لجنة الكنيسة في السبعينيات من القرن الـ20 حققت في الانتهاكات التي ارتكبتها وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) تحت ذريعة الأمن القومي.
وكانت إحدى النتائج الأساسية للتحقيق أن غياب الرقابة الفعّالة من لجان الكونغرس أوجد أرضية خصبة لتجاوز السلطة التنفيذية، مما أدى إلى توصية بتشكيل لجان خاصة في الكونغرس لضمان بقاء مجتمع الاستخبارات والأمن القومي ضمن حدود القانون.
ملفات مختلفة
شارك أعضاء "عصابة الثمانية" عام 2013 في صياغة إصلاح شامل للهجرة، كما تُنسب إليهم صياغة المسودة الأولى لمشروع قانون أمن الحدود وفرص العمل وتحديث الهجرة.
وضمّت عصابة الثمانية عامئذ الأعضاء التالين:
من الجمهوريين: جون ماكين وليندسي غراهام وماركو روبيو وجيف فليك. ومن الديمقراطيين: تشاك شومر وريتشارد دوربين وروبرت مينينديز ومايكل بينيت.وفي الثاني من فبراير/شباط 2023، طلب رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي عقد إحاطة خاصة بـ"عصابة الثمانية" بشأن منطاد للمراقبة والرصد فوق الأراضي الأميركية. وأكد مسؤول رفيع في وزارة الحرب الأميركية أن الحكومة متأكدة من أن المنطاد قادم من الصين.
وفي فبراير/شباط 2024، أعلن العضو في "عصابة الثمانية"، النائب مايكل آر. تيرنر أن الولايات المتحدة لديها معلومات استخباراتية تشير إلى تطوير روسيا برنامج أسلحة نووية فضائيا يستهدف تعطيل شبكات الأقمار الصناعية الأميركية، وطالب إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن برفع السرية عن تلك المعلومات. وذكرت نيويورك تايمز أن إحاطة خاصة بـ"عصابة الثمانية" أُقيمت في 15 فبراير/شباط 2024.
من جهتهما، أصدر السيناتور ماركو روبيو والسيناتور مارك وارنر، وكلاهما عضو في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، بيانا حول هذه المعلومات جاء فيه "أن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ لديها المعلومات المعنية، وقد تابعت هذا الملف بدقة منذ البداية". وأضاف البيان "نحن ملتزمون بالتعامل معه بجدية ونجري مناقشات مع الإدارة حول الرد المناسب. وفي الوقت نفسه، ينبغي توخي الحذر من كشف المصادر والأساليب التي قد تكون ضرورية للحفاظ على نطاق واسع من خيارات التحرك الأميركية".
وفي 9 ديسمبر/كانون الأول 2025 ضغط مشرعون في الكونغرس الأميركي على البنتاغون للكشف عن الفيديو الكامل لضربة القارب التي وقعت في 2 سبتمبر/أيلول من العام نفسه قبالة سواحل فنزويلا، حسب ما أعلن زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ وعضو عصابة الثمانية تشاك شومر.
وأوضح شومر أن وزير الحرب بيت هيغسيث وكبار المسؤولين سيقدّمون إحاطة مغلقة لـ"عصابة الثمانية" حول تفاصيل الحادث. وأضاف أن الاجتماع سيتيح له مواجهة هيغسيث بشأن منح جميع أعضاء الكونغرس الوصول الكامل إلى التسجيلات، في ظل اتهامات بأن اثنين من الناجين تمسكوا بحطام القارب وربما قُتلوا، وأضاف أن تصريحات الرئيس دونالد ترامب بشأن الإفصاح عن الفيديو جاءت متناقضة.

0 تعليق