في تصعيد قضائي وسياسي لافت، استدعي رئيس بلدية إسطنبول المعارض، أكرم إمام أوغلو، المسجون منذ آذار/مارس الماضي، للمثول أمام قاض، الأحد، في إطار تحقيق جديد ومفاجئ بتهمة "التجسس".
ويأتي هذا التحرك، الذي وصفته المعارضة بأنه "ذريعة كاذبة"، بعد يومين فقط من تبرئة إمام أوغلو في قضية فساد أخرى، وقد أثار استدعاؤه احتجاجات حاشدة خارج مبنى المحكمة في إسطنبول.
سلسلة من الملاحقات القضائية يأتي هذا التحقيق الجديد ليضاف إلى سلسلة من الدعاوى القضائية التي تواجه إمام أوغلو، الذي يعتبر أبرز منافس محتمل للرئيس رجب طيب إردوغان.
وتمنعه هذه القضايا حاليا من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في عام 2028 عن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا.
وتوقيت هذا الاستدعاء لافت للغاية؛ فقد جاء بعد 48 ساعة فقط من تبرئة إمام أوغلو، يوم الجمعة، من قبل محكمة في إسطنبول في قضية تتعلق باتهامات بالتلاعب بمناقصة عامة تعود لعام 2015، حين كان رئيسا لبلدية بيليك دوزو.
وبينما احتفلت المعارضة بهذه البراءة باعتبارها انتصارا قانونيا، فوجئت بفتح ملف "التجسس" الجديد.
يوم حافل في المحكمة
نقل رئيس بلدية إسطنبول صباح اليوم من سجنه إلى قصر "تشاغلايان العدلي"، وسط إجراءات أمنية مشددة. وبحسب تقارير صحافية محلية، ورغم وصوله منذ الصباح، فإن إمام أوغلو لم يخضع للاستجواب حتى بعد مرور خمس ساعات من وصوله.
وكشفت مصادر أن التحقيق بشأن التجسس، الذي فتحه مكتب المدعي العام في إسطنبول، لا يستهدف إمام أوغلو وحده، بل يشمل أيضا مدير حملته للانتخابات البلدية الناجحة لعامي 2019 و2024، نجاتي أوزكان، ورئيس تحرير قناة "تيلي 1" المعارضة، مردان يانارداغ.
وفي خطوة متزامنة تعكس اتساع نطاق الحملة، كانت السلطات التركية قد أوقفت الصحفي يانارداغ يوم الجمعة، وسيطرت على محطته التلفزيونية "تيلي 1" في اليوم نفسه.
المعارضة تحتج: "لم يجدوا أي شيء آخر"
أدى استدعاء إمام أوغلو إلى تظاهر حوالي ألف شخص من أنصاره خارج مبنى المحكمة، وسط انتشار لشرطة مكافحة الشغب. وخاطب زعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغول أوزيل، المتظاهرين المتجمعين، مهاجما ما وصفه بالاستهداف السياسي الممنهج لرئيس بلدية إسطنبول.
وقال أوزيل إن السلطات حاولت مرارا وتكرارا تشويه سمعة إمام أوغلو بشتى التهم، لكنها فشلت.
وصرخ أوزيل أمام الحشد: "وصفوه باللص، وذلك لم يجد نفعا. اتهموه بالفساد، وذلك لم يجد نفعا. اتهموه بدعم الإرهاب، وذلك لم يجد نفعا".
وأضاف، وسط هتافات الحشود التي لوحت بالأعلام التركية: "والآن، كحل أخير، حاولوا وصفه بجاسوس. عار عليهم".
وأكد أوزيل أن حزبه لن يتخلى عن الصحفيين المستهدفين، قائلا: "لن نتخلى عن مردان يانارداغ وطاقم تيلي 1.
لن يستطيعوا إسكات الصحافة الحرة".
وقد ردد المتظاهرون هذه المشاعر، حيث قال علي صقلي (50 عاما)، وهو أحد مؤيدي حزب الشعب الجمهوري، لوكالة فرانس برس: "إنه ليس مجرد تحقيق عادي. فتحوا هذا التحقيق بالتجسس كذريعة لأنهم لم يجدوا أي شيء آخر ضده".
تظهر هذه التطورات المتسارعة، من براءة مفاجئة يوم الجمعة إلى تهمة تجسس خطيرة يوم الأحد، مدى احتدام الصراع السياسي في تركيا.
وبينما تواصل السلطات تحقيقاتها مع أبرز وجوه المعارضة، تؤكد الأخيرة أنها ستواصل "النضال"، معتبرة أن هذه الإجراءات القضائية ما هي إلا محاولة "يائسة" لإقصاء منافس سياسي قوي من السباق الرئاسي المقبل.

0 تعليق